فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل إن التنكير مانع من الحالية هاهنا لأن الحال تقاس بالصفة والواو مانعة من الوصفية فتمنع من الحالية ومنع لزوم القياس مع أن الزمخشري وغيره جوزوا دخول الواو على الصفة لتأكيد لصوقها، وقيل في عدم جواز ذلك إن ذا الحال إذا كان نكرة يجب تقديمها ولم تقدم ههنا.
وتعقب بأن ذلك غير مسلم في الجملة المقرونة بالواو لكونه بصورة العاطف.
واستظهر صاحب الكشف الجواز وذكر أن المعنى في الحالين لا يتفاوت كثير تفاوت لأنه إذا تقيد الفعل لزم تقيد متعلقاته وإنما الاختلاف في الأصالة والتبعية، وضمير حسنهن للأزواج والمراد بهن من يفرضن بدلًا من أزواجه اللاتي في عصمته عليه الصلاة والسلام فتسميتهن أزواجًا باعتبار ما يعرض مآلًا وهذا بناءً على أن باء البدل في بهن داخلة على المتروك دون المأخوذ فلو اعتبرت داخلة على المأخوذ كان الضمير للنساء لا للأزواج، وممن أعجبه صلى الله عليه وسلم حسنهن على ما قيل أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب بعد وفاته رضي الله تعالى عنه، وفي قوله سبحانه: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} على ما نقل عن ابن عطية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها وفي الأخبار أدلة على ذلك وتفصيل الأقوال فيه في كتب الفروع.
واختلف في أن الآية الدالة على عدم حل النساء له صلى الله عليه وسلم هل هي محكمة أم لا.
فعن أبي بن كعب وجماعة منهم الحسن وابن سيرين واختاره الطبري واستظهره أبو حيان أنها محكمة وعن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما والضحاك عليه الرحمة أنها منسوخة وروي ذلك عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
أخرج أبو داود في ناسخه والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه أيضًا وابن المنذر وغيرهم عنها قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله تعالى له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم لقوله سبحانه: {تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء} [الأحزاب: 51] وهذا ظاهر في أن الناسخ قوله تعالى: {تُرْجِى} الخ وهو مبني على أن المعنى تطلق من تشاء وتمسك من تشاء، ووجه النسخ به على هذا التفسير أنه يدل بعمومه على أنه أبيح له صلى الله عليه وسلم الطلاق والإمساك لكل من يريد فيدل على أن له تطليق منكوحاته ونكاح من يريد من غيرهن إذ ليس المراد بالإمساك إمساك من سبق نكاحه فقط لعموم من تشاء وقوله سبحانه: {تئوي} ليس مقيدًا بمنهن كذا قال الخفاجي: وفي القلب منه شيء ولابد على القول بأن النسخ بذلك من القول بتأخر نزوله عن نزول الآية المنسوخة إذ لا يمكن النسخ مع التقدم وهو ظاهر ولا يعكر التقدم في المصحف لأن ترتيبه ليس على حسب النزول وقال بعضهم: إن الناسخ السنة ويغلب على الظن أنها كانت فعله عليه الصلاة والسلام.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن شداد أنه قال: في قوله تعالى: {بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ} الخ ذلك لو طلقهن لم يحل له أن يستبدل وقد كان ينكح بعدما نزلت هذه الآية ما شاء ونزلت وتحته تسع نسوة ثم تزوج بعد أم حبيبة بنت أبي سفيان وجويرية بنت الحرث رضي الله تعالى عنهما، والظاهر على القول بأن الآية نزلت كرامة للمختارات وتطييبًا لخواطرهن وشكرًا لحسن صنيعهن عدم النسخ والله تعالى أعلم، وقوله: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} استثناء من النساء متصل بناءً على أصل اللغة لتناوله عليه الحرائر والإماء ومنقطع بناءً على العرف لاختصاصه فيه بالحرائر ولا أن تبدل بهن من أزواج كالصريح فيه.
وقال ابن عطية: إن ما إن كانت موصولة واقعة على الجنس فهو استثناء من الجنس مختار فيه الرفع على البدل من النساء ويجوز النصب على الاستثناء وإن كانت مصدرية فهي في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول انتهى، وليس بجيد لأنه قال والتقدير إلا ملك اليمين وملك بمعنى مملوك فإذا كان بمعنى مملوك لم يصح الجزم بأنه ليس من الجنس وأيضًا لا يتحتم النصب وإن فرضنا أنه من غير الجنس حقيقة بل أهل الحجاز ينصبون وبنو تميم يبدلون وأيًا ما كان فالظاهر حل المملوكة له صلى الله عليه وسلم سواء كانت مما أفاء الله تعالى عليه أم لا: {وَكَانَ الله على كُلّ شيء رَّقِيبًا} أي راقبًا أو مراقبًا والمراد كان حافظًا ومطلعًا على كل شيء فاحذروا تجاوز حدوده سبحانه وتخطى حلاله إلى حرامه عز وجل. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قال تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ} الإرجاء: الإمهال، والإنظا.
والإيواء: الضمّ، والجمع.
والآية، ترسم السياسة التي يأخذ بها النبىّ هذا العدد الكثير من النساء اللائي جمعهن إليه.
إنّهن إذا حاسبن النبي محاسبة الزوجات لأزواجهن، واقتضين حقوق الزوجية كاملة منه- كان ذلك عبئا ثقيلا على النبىّ، الذي يحمل أعباء ثقالا تنوء بها الجبال، في إقامة بناء المجتمع الإسلامى، وإرساء قواعد الدّي.
فكان من رحمة اللّه برسوله، وإحسانه إليه، أن أخلى يديه جميعا من تلك الواجبات المفروضة على الرجال قبل أزواجهم في المعاشرة، والمباشرة، وذلك حتى يفرغ النبىّ للمهمة العظيمة التي أقامه اللّه عليه.
فللنبىّ أن يرجىء من يشاء من نسائه، بمعنى أن يتجنبهن تجنبا مؤقتا من غير طلاق، وله- صلوات اللّه وسلامه عليه- أن يضمّ إليه من يشاء من نسائه، وأن يقسم بينهن كيف يشاء.. ثم إن له بعد هذا أن يضمّ إليه من أرجأ منهن.. إذا رغب فيه.
فذلك كله، تخفيف عن النبىّ، ورفع لإعناته وإرهاقه بعد أن حمل هذا العبء الثقيل من النساء، إلى جانب ما حمل من أعباء ثقا.
وفي قال تعالى: {ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} إشارة إلى أن هذا التدبير الذي من شأنه أن يجعل نساء النبي كلهن إلى يده، عن قرب أو بعد- فيه إرضاء لهن جميعا، القريبة منهن لقربها، والبعيدة لصلتها بالرسول، وانتسابها إليه، وعدّها من أمهات المؤمنين، وحسبها بهذا قرّة عين، وروح روح، وسكن فؤاد.
قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} علم اللّه سبحانه وتعالى بما في القلوب، داعية إلى أن تكون القلوب مستودع خير وعدل وإحسان، حتى يرى اللّه منها ما هو خير وعدل وإحسان، فيثيب أهلها بما هم أهل له من ثواب جزيل وأجر كري.
والقلوب في تلك المواطن التي تجمع بين الرجال والنساء في حياة زوجية، هي ملاك الأمر في إصلاح هذه الحياة، وازدهارها، وإرواء النفوس من ينابيع الرحمة والمودة.. وذلك إذا صلحت القلوب، وخلصت النيا.
أما إذا انطوت القلوب على فساد، وتلاقت على غش وخداع، فلن تثمر الحياة الزوجية إلا ثمرا نكدا، يطعم منه الزوجان ما يشقيهما، ويضنيهما.
ويزرع العداوة والشنآن بينهم.
وفي وصف اللّه سبحانه وتعالى بالحلم، دعوة إلى كل من الأزواج والزوجات إلى الأناة والرفق، وإلى الصبر والاحتمال، لما يقع في الحياة الزوجية من أمور يضيق بها أحد الزوجين أو كلاهما.. فالحياة يسر وعسر، واستقرار واضطراب، واستقامة وعوج.. ومن أرادها على الوجه الذي يحبّ فإنما يريد أمرا غير واقع أبد.
قوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا}.
اختلف في المحذوف المضاف إليه «بعد».. وهل هو قيد لتلك الأصناف الأربعة التي أحلّها اللّه للنبى في قوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ} الآية. أم أنه قيد لتلك الحال التي تلقى فيها النبي هذا الحكم؟
فعلى التقدير الأول، يكون المعنى، لا يحلّ لك التزوج من النساء بعد هذه الأصناف الأربعة، ويكون المراد بالبعديّة البعدية الوصفية لا الزمانية، أي لا يحلّ لك غير هذه الأصناف الأربعة التي عرفت صفاتها، وهذا من شأنه أن يبيح للنبىّ- صلوات اللّه وسلامه عليه- أن يتزوج غير نسائه التسع اللاتي كن معه، عند نزول هذه الآية- ولكن ذلك التزوج محصور في صنفين من النساء، هما:
ولا: بنات عم النبىّ، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، اللاتي هاجرن معه، أي كن من المهاجرات، لا بمعنى أنهن صحبنه في هجرته.
وثانيا: أي امرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبىّ.
أما غير ذلك من النساء فلا يحل له التزوج منهن.
أما على التقدير الثاني، فيكون المعنى أنه لا يحلّ للنبىّ- صلوات اللّه وسلامه عليه- أن يتزوّج بعد نزول هذه الآية من أية امرأة أخرى.. بل يقف عند هذا الحدّ.. أما ما ملكت، أو تملك يمينه بعد هذا من نساء فهنّ حلّ له، على الإطلا.
وهذا هو الرأى الذي نعوّل عليه، ونأخذ به، وذلك لما يأتى:
أولا: هذا الأمر للنبىّ بالوقوف عند هذا الحدّ من التزوج بالنساء، هو في الواقع تخفيف عن النبىّ، ورفع للحرج الذي يجده من حمل نفسه على التزوج ممن يهبن أنفسهن له، وهنّ كثيرات، طامعات في رضا اللّه بالقرب من الرسول والعمل على مرضاته.. وكذلك الشأن فيمن هن قريبات له، وتعرض لهنّ ظروف قاسية، تدعو النبي إلى موساتهن بضمهن إليه، كمن يستشهد أزواجهن في سبيل اللّ.
فهذا لا شك تخفيف عن النبىّ، ودفع للحرج، بهذا الأمر السماوي الذي لا يجعل له سبيلا إلى التزوج بمن تهب نفسها له، أو بمن تدعو الحال بضمها إليه، وتزوجه منها، من بنات عمه أو بنات عماته، أو بنات خاله أو بنات خالات.
وثانيا: في الإبقاء على حل ما ملك أو يملك النبي من إماء، هو أيضا من باب التخفيف ودفع الحرج عن النبىّ.. وذلك لأن مئونة الإماء أخفّ، إذ ليس لهن ما للحرائر الزوجات من حقوق تقابل ما للرجال عليهن من واجبا.
وثالثا: وعلى هذا يكون ما جاء في قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ} الآية. هو إقرار للأمر الواقع، ووصف كاشف للحباة الزوجية في بيت الرسول، وما ضمّ من تلك الأصناف الأربعة التي ذكرتها الآية من أصناف النساء.. ويكون قوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ} أمرا للنبىّ بالوقوف عند من تزوج بهن إلى وقت نزول هذه الآية، وأنه- صلوات اللّه وسلامه عليه- ليس له أن يتزوج أية امرأة أخرى غير اللاتي كن معه، أما ما ملكت أو تملك يمينه، فيبقى على أصل الإباحة.
وفي قال تعالى: {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} تطيب لخواطر نساء النبي، وتطمين لقلوبهن، ألا يدخل عليهن من النساء من يشاركهن الحياة مع النبي، والسّكن إليه في بيت النبوة.. وأنهن في أمان من أن يخرجن من هذا الجناب الكريم أو يفارقن النبي بالطلاق.
وهذا جزاء عاجل من اللّه سبحانه وتعالى لهن إذ اخترن اللّه ورسوله، ورضين الحياة الرّوحية مع رسول اللّه، مؤثرات ذلك على الحياة الدنيا وزينته.
وأما ما جاء في الآية السابقة من قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فهو على الإباحة التي تضمنها، من أن يتزوج النبي من أية امرأة مؤمنة- غير متزوجة- تهب نفسها للنبى، ويقبل النبي هذه الهبة.. وذلك الحكم موقوت إلى أن نزل قوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ} فلما نزلت هذه الآية، توقف العمل بهذه الرخصة.
وعلى هذا لم يكن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يتزوج من أية مؤمنة- غير متزوجة- تهب نفسها للنبى، بعد نزول هذه الآية.
وليس هذا من النسخ، كما يبدو في ظاهره، ولكنه إنهاء لحكم رخصة موقوتة، جاء قوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ} محددا نهاية هذا الوقت.. وهذا يعنى أنه قد كان بين نزول الآيتين فسحة من الوقت، بحيث كان من المؤمنات غير المتزوجات من وهبن أنفسهن للنبىّ، فقبل منهن من قبل.
هذا، ويرى بعض المفسرين، أن هذه الآية: «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ» منسوخة بالآية التي قبلها: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَك} الآية وهذا يعنى، أن المنسوخ يسبق الناسخ، وأن الحظر جاء أولا، ثم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يحظر عليه التزوج من بنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه أو من أية مرأة مؤمنة تهب نفسها له، وذلك إلى أن لحق صلوات اللّه وسلامه عليه- بالرفيق الأعل.
ونحن على رأينا، من أنه لا نسخ، ولا تناسخ بين الآيتين.. وأن الآية الأولى ظلت عاملة إلى أن نزلت الآية الثانية، فأقرت الأوضاع التي انتهى إليها بيت النبوة، وما ضمّ عليه من أزواج النبي: وبقيت الآيتان تمثلان دورين من أدوار التشريع، للنبى خاصة، من حياته الزوجية.. وهذان الدوران، يسبقهما دور ثالث، هو الإباحة المطلقة للنبى، بالتزوج ممن يشاء من النساء، بأى عدد شاء منه.
وعلى هذا كانت مراحل التشريع للحياة الزوجية للنبى ثلاثا:
المرحلة الأولى: الحلّ المطلق في الزواج من أية امرأة مؤمنة، يحل زواجها في الشريعة الإسلامية، دون تقيد بعد.
المرحلة الثانية: وفيها يتقرر ما يأتى:
أولا: الوقوف بالعدد من الزوجات عند الحد الذي كان موجودا عند نزول الآية.. وهو تسع نسا.
وثانيا: إن أراد النبي أن يتزوج على من عنده من النساء، فلا يجوز له أن يتزوج من غير صنفين من النساء: بنات عمه أو بنات عماته، وبنات خاله أو بنات خالاته.. ثم من أي امرأة مؤمنة- غير متزوجة- تهب نفسها للنبى، وهذا صنف جديد جاءت بحلّه هذه الآية، خاصا بالنب.
المرحلة الثالثة: وفي هذه المرحلة تستقر الأوضاع للحياة الزوجية في بيت النبوة، فلا يدخل عليها جديد من النساء، ولا يخرج منها أحد ممن هن فيه.
وهذا- كما أشرنا إلى ذلك- تخفيف عن النبي، ورفع للحرج عنه، من تلك العيون الكثيرة المتطلعة إلى الصهر إليه أو الزواج منه.. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتئوى إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ}.
استئناف بياني ناشىء عن قوله: {إنا أحللنا لك أزواجك} إلى قوله: {لكيلا يكون عليك حرج} [الأحزاب: 50] فإنه يثير في النفس تطلبًا لبيان مدى هذا التحليل.
والجملةُ خبر مستعمل في إنشاء تحليل الإِرجاء والإِيواء لمن يشاء النبي صلى الله عليه وسلم والإِرجاء حقيقته: التأخير إلى وقت مستقبل.
يقال: أرجأت الأمر وأرجيْته مهموزًا ومخففًا، إذا أخرته.
وفعله ينصرف إلى الأحوال لا الذوات، فإذا عدي فعله إلى اسم ذات تعين انصرافه إلى وصف من الأوصاف المناسبة والتي تراد منها، فإذا قلت: أرجأت غريمي، كان المراد: أنك أخرت قضاء دينه إلى وقت يأتي.
والإِيواء: حقيقته جعل الشيء آويًا، أي راجعًا إلى مكانه.
يقال: آوى، إذا رجع إلى حيث فارق، وهو هنا مجاز في مطلق الاستقرار سواء كان بعد إبعاد أم بدونه، وسواء كان بعد سبق استقرار بالمكان أم لم يكن.